فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي ورفعوه، وقال أبو حيان: إنه لا ينبغي العدول عنه بل لا يجوز ذلك.
وأورد على القول بأنها السبع الطول ان هذه السورة مكية وتلك السبع مدنية، وروي هذا عن الربيع، فقد أخرج البيهقي في الشعب وابن جرير وغيرهما أنه قيل له: إنهم يقولون: هي السبع الطول فقال: لقد أنزلت هذه الآية وما نزل من الطول شيء وأجيب بأن المراد بايتائها إنزالها إلى السماء الدنيا ولا فرق بين المدني والمكي فيها.
واعترض بأن ظاهر {ءاتيناك} يأباه، وقيل: إنه تنزيل للمتوقع منزلة الواقع في الامتنان ومثله كثير {مّنَ المثاني} بيان للسبع وهو على ما قال في موضع من الكشاف جمع مثى بمعنى مردد ومكرر ويجوز أن يكون مثنى مفعل من التثنية بمعنى التكرير والإعادة كما في تعالى: {ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4]. أي كرة بعد كرة ونحو قولهم لبيك وسعديك وأراد كما في الكشف أنه جمع لمعنى التكرير والإعادة كما ثنى لذلك لكن استعمال المثنى في هذا المعنى أكثر لأنه أول مراتب التكرار ويحتمل أن يريد ان مثنى بمعنى التكرير والإعادة كما أن صريح المثنى كذلك في نحو {كَرَّتَيْنِ} ثم جمع مبالغة وقوله من التثنية إيضاح للمعنى لأنه من الثنى بمعنى التثنية والأل أرجح نظرًا إلى ظاهر اللفظ والثاني نطرًا إلى الأصل وقال في موضع آخر: إنه من التثنية أو الثناء والواحدة مثناة أو مثنية بفتح الميم على ما في أكثر النسخ وإلا قيس على ما قال المدقق بحسب اللفظ أن ذلك مشتق من الثناء أو الثنى جميع مثنى مفعل منهما اما بمعنى المصدر جمع لما صير صفة أو بمعنى المكان في الأصل نقل إلى الوصف مبالغة نحو أرض مأسدة لأن محل الثناء يقع على سبيل المجاز على الثاني والمثنى عليه وكذلك محل الثنى ولا بعد في باب العدل أن يكون منقولًا عنه لا مخترعًا ابتداء، واطلاق ذلك على الفاتحة لأنها تكرر قراءتها في الصلاة وروى هذا عن الحسن وأبي عبد الله رحمهما الله تعالى وعن الزجاج لأنه تثنى بما يقرأ بعدها من القرآن وقيل ونسب إلى الحسن أيضًا: لأنه نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة.
وتعقب بأنها كانت مسماة بهذا الاسم قبل نزولها الثاني إذ السورة كما سمعت غير مرة مكية وقيل: لأن كثيرًا من ألفاظها مكرر كالرحمن والرحيم وإياك والصراط وعليهم، وقيل: لاشتمالها على الثناء على الله تعالى والقولان كما ترى، وقيل ونسب إلى ابن عباس ومجاهد أن اطلاق المثاني على الفاتحة لأن الله سبحانه استثناها وادخرها لهذه الأمة فلم يعطها لغيرهم، وروي هذا الادخار في غيرها أيضًا وفي غيرها أن ذلك لأنه تكرر قراءته وألفاظه أو قصصه ومواعظه أو لما فيه من الثناء عليه تعالى بما هو أهله جل شأنه أو لأنه مثنى عليه بالبلاغة والإعجاز أو يثنى بذلك على المتكلم به، وعن أبي زيد البلخي أن اطلاق المثاني على ذلك لأنه يثنى أهل الشر عن شرهم فتأمل، وجوز أن يراد بالمثاني القرآن كله وأخرج ذلك ابن المنذر وغيره عن أبي مالك وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في توجيه اطلاقها عليه مع الاختلاف في الافراد والجمع، وأن يراد بها كتب الله تعالى كلها فمن للتبعيض وعلى الأول للبيان {وَلَقَدْ ءاتيناك} بالنصب عطف على سبعا فإن أريد بها الآيات أو السور أو الأمور السبع التي رويت عن زياد فهو من عطف الكل على الجزء بأن يراد بالقرآن مجموع ما بين الدفتين أو من عطف العام على الخاص بأن يراد به المعنى المشترك لين الكل والبعض وفيه دلالة على امتياز الخاص حتى كأنه غيره كما في عكسه وإن أريد بها الاسباع فهو من عطف أحد الوصفين على الآخر كما في قوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام

البيت بناء على أن القرآن في نفسه الاسباع أي ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم، واختار بعض تفسير {القرءان العظيم} كالسبع المثاني بالفاتحة لما أخرجه البخاري عن أبي سعيد بن المعلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» وفي الكشف كونهما الفاتحة أوفق لمقتضى المقام لما مر في تخصيص {الكتاب وَقُرْ إن مُّبِينٍ} [الحجر: 1]. بالسورة وأشد طباقًا للواقع فلم يكن إذ ذاك قد أوتي صلى الله عليه وسلم القرآن كله اهـ، وأمر العطف معلوم مما قبله.
وقرأت فرقة {والقرءان} بالجر عطفًا على {المثاني}، وأبعد من ذهب إلى أن الواو مقحمة والتقدير سبعا من المثاني القرآن العظيم. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ}
أي: إلا خلقًا متلبسًا بالحق والحكمة الثابتة، التي لا تقبل التغير، وهي الاستدلال بها على الصانع وصفاته وأسمائه وأفعاله ليعرفوه فيعبدوه، بحيث لا يلائم استمرار الفساد، ولذلك اقتضت الحكمة إرسال الرسل مبشرين ومنذرين: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ} أي: فيجزي كلًا بما كانوا يعملون: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} أي: عاملهم معاملة الصفوح الحكيم، كقوله: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 89].
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ} تقرير للمعاد، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة. فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء، العليم بما تمزَّق من الأجساد وتفرَّق في سائر أقطار الأرض، كقوله تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: 81].
{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} قال الرازي: إنه تعالى لما صبَّره على أذى قومه وأمره بأن يصفح الصفح الجميل؛ أتبع ذلك بذكر النعم العظيمة التي خصه بها؛ لأن الإنسان إذا تذكر نعم الله عليه، سهل عليه الصفح والتجاوز.
{والسبع المثاني} هو القرآن كله كما قاله ابن العباس في رواية طاوس؛ لقوله تعالى: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23]، والواو في قوله: {وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} لعطف الصفة، كقول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام ** وليث الكتيبة في المزدحم

و{السبع}: يراد بها الكثرة في الآحاد، كالسبعين في العشرات، و{المثاني} جمع مثنى بمعنى التثنية أو الثناء، فإنه تكرر قراءته أو ألفاظه أو قصصه ومواعظه. أو مثنى عليه بالبلاغة والإعجاز. أو مثنى على الله تعالى بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى.
وقد روي عن بعض السلف تفسير السبع بالسور الطوال الأول، وهذا لم يقصد به، إلا أن اللفظ الكريم يتناولها، لا أنها هي المعنية. كيف لا وهذه السورة مكية وتلك مدنيات؟ كالقول بأنها الفاتحة سواء، وأما حديث: «الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته» عند الشيخين؛ فمعناه أنها من السبع، لعطف قوله: «والقرآن العظيم الذي أوتيته» ولو كان القصر على بابه، لناقضه لمعطوف؛ لاقتضائه أنها هو لا غيره، وبداهة بطلانه لا تخفى.
وسر الإخبار بأنها السبع، كون الفاتحة مشتملة على مجمل ما في القرآن، وكل ما فيه تفصيل للأصول التي وضعت فيها، كما بينه الإمام مفتي مصر في تفسير الفاتحة فراجعه. هذا ما ظهر لي الآن في تحقيق الآية.
وللأثري الواقف مع ظاهر ما صح من الأخبار، الجازم بأن السبع في الآية هي الفاتحة لظاهر الحديث، أن يجيب عن القصر بأن المراد بالمعطوف القرآن بمعنى المقروء، لا بمعنى الكتاب كله، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86)}
موقع الواو في صدر هذه الجملة بديع.
فهذه الجملة صالحة لأن تكون تذييلًا لقصص الأمم المعذبة ببيان أن ما أصابهم قد استحقّوه فهو من عدل الله بالجزاء على الأعمال بما يناسبها، ولأن تكون تصديرًا للجملة التي بعدها وهي جملة {وإن الساعة لآتية}.
والمراد ساعة جزاء المكذّبين بمحمد صلى الله عليه وسلم أي ساعة البعث.
فعلى الأول تكون الواو اعتراضية أو حالية، وعلى الثّاني عاطفةً جملة على جملة وخبرًا على خبر.
على أنه قد يكون العطف في الحالين لجعلها مستقلة بإفادة مضمونها لأهميته مع كونها مكمّلة لغيرها، وإنما أكسبها هذا الموقع البديع نظمُ الجمل المعجز والتنقل من غرض إلى غرض بما بينها من المناسبة.
وتشمل {السموات والأرض وما بينهما} أصناف المخلوقات من حيوان وجماد، فشمل الأمم التي على الأرض وما حلّ بها، وشمل الملائكة الموكّلين بإنزال العذاب، وشمل الحوادث الكونية التي حلّت بالأمم من الزلازل والصواعق والكِسف.
والباء في {إلا بالحق} للملابسة متعلقة بـ {خلقنا}، أي خلقا ملابسًا للحقّ ومقارنًا له بحيث يكون الحقّ باديًا في جميع أحوال المخلوقات.
والملابسة هنا عرفية؛ فقد يتأخّر ظهور الحقّ عن خلق بعض الأحوال والحوادث تأخّرًا متفاوتًا.
فالملابسة بين الخلق والحقّ تختلف باختلاف الأحوال من ظهور الحقّ وخفائه؛ على أنّه لا يلبث أن يظهر في عاقبة الأمور كما دلّ عليه قوله تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق} [سورة الأنبياء: 18].
والحقّ: هنا هو إجراء أحوال المخلوقات على نظام ملائم للحكمة والمناسبة في الخير والشرّ، والكمال والنقص، والسموّ والخفض، في كلّ نوع بما يليق بماهيته وحقيقته وما يُصلحه، وما يصلح هو له، بحسب ما يقتضيه النظام العام لا بحسب الأميال والشهوات، فإذا لاح ذلك الحقّ الموصوف مقارنًا وجودُه لوجود محقوقه فالأمر واضح، وإذا لاح تَخلّف شيء عن مناسبة فبالتأمّل والبحث يتّضح أن وراء ذلك مناسبة قضت بتعطيل المقارنة المحقوقة، ثم لا يتبدّل الحقّ آخر الأمر.
وهذا التأويل يُظهره موقع الآية عقب ذكر عقاب الأمم التي طغت وظلمت، فإن ذلك جزاء مناسبٌ تمردَها وفسادَها، وأنها وإن أمهلت حينًا برحمة من الله لحكمة استبقاء عمران جزء من العالم زمانًا فهي لم تُفلت من العذاب المستحقّ لها، وهو من الحقّ أيضًا فما كان إمهالها إلاّ حقًّا، وما كان حلول العذاب بها إلاّ حقًّا عند حلول أسبابه، وهو التمرّد على أنبيائهم.
وكذلك القول في جزاء الآخرة أن تعطّل الجزاء في الدّنيا بسبب عطل ما اقتضته الحكمة العامة أو الخاصة.
وموقع جملة {وإن الساعة لآتية} في الكلام يجعلها بمنزلة نتيجة الاستدلال، فمن عرف أن جميع المخلوقات خلقت خلقًا ملابسًا للحقّ وأيقن به علم أن الحقّ لا يتخلّف عن مستحقِّه ولو غاب وتأخّر، وإن كان نظام حوادث الدنيا قد يعطّل ظهور الحقّ في نصابه وتخلّفه عن أربابه.
فعُلم أنّ وراء هذا النّظام نظامًا مدّخرًا يتّصل فيه الحقّ بكل مستحقّ إن خيرًا وإن شرًا، فلا يُحْسبَنّ من فات من الذين ظلموا قبل حلول العذاب بهم مفلتًا من الجزاء فإن الله قد أعدّ عالمًا آخر يعطي فيه الأمور مستحقّيها.
فلذلك أعقب الله و{وما خلقنا السموات والأرض} بآية {وإن الساعة لأتية}، أي أن ساعة إنفاذ الحقّ آتية لا محالة فلا يريبك ما تراه من سلامة مكذّبيك وإمهالهم كما قال تعالى: {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون} [سورة يونس: 41].
والمقصود من هذا تسلية النبي على ما لقيه من أذى المشركين وتكذيبهم واستمرارهم على ذلك إلى أمد معلوم.
وقد كانت هذه الجملة في مقتضى الظاهر حريّة بالفصل وعدم العطف لأن حقّها الاستئناف ولكنها عطفت لإبرازها في صورة الكلام المستقلّ اهتمامًا بمضمونها، ولأنها تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام على ما يلقاه من قومه، وليصحّ تفريع أمره بالصّفح عنهم في الدنيا لأن جزاءهم موكول إلى الوَقت المقدر.
وفي إمهال الله تعالى المشركين ثم في إنجائهم من عذاب الاستئصال حكمة تحقّق بها مراد الله من بقاء هذا الدّين وانتشاره في العالم بتبليغ العرب إيّاه وحمْله إلى الأمم.
والمرد بالساعة ساعة البعث وذلك الذي افتتحت به السورة.
وذلك انتقال من تهديدهم ووعيدهم بعذاب الدنيا إلى تهديدهم بعذاب الآخرة.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى: {ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون} في [سورة الأحقاف: 3].
وتفريع {فاصفح الصفح الجميل} على قوله تعالى: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} باعتبار المعنى الكنائي له، وهو أن الجزاء على أعمالهم موكول إلى الله تعالى فلذلك أمر نبيّه صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن أذاهم وسوء تلقّيهم للدّعوة.
و{الصفح}: العفو.
وقد تقدم في قوله تعالى: {فاعف عنهم واصفح} في سورة العقود [13].
وهو مستعمل هنا في لازمه وهو عدم الحزن والغضب من صنيع أعداء الدّين وحذف متعلق الصّفح لظهوره، أي عمن كذّبك وآذاك.
{والجميل}: الحسن.
والمراد الصفح الكامل.
ثمّ إن في هذه الآية ضربًا من ردّ العجز على الصدر، إذ كان قد وقع الاستدلال على المكذبين بالبعث بخلق السماوات والأرض عند قوله: {ولو فتحنا عليهم بابًا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكّرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ولقد جعلنا في السماء بروجًا} [سورة الحجر: 14 1]. الآيات.
وختمت بآية: وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون إلى قوله تعالى: {وإن ربك هو يحشرهم} [سورة الحجر: 23 25].
وانتقل هنالك إلى التذكير بخلق آدم عليه السلام وما فيه من العِبر.
ثم إلى سَوق قصص الأمم الّتي عقبت عصور الخلقة الأولى فآن الأوان للعود إلى حيث افترق طريق النظم حيث ذكر خلق السماوات ودلالته على البعث بقوله تعالى: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق} الآيات، فجاءت على وزان قوله تعالى: {ولقد جعلنا في السماء بروجًا} [سورة الحجر: 1]. الآيات.
فإن ذلك خلق بديع.
وزيد هنا أن ذلك خُلق بالحقّ.
وكان قوله تعالى: {وإن الساعة لأتية} فذلكة لقوله تعالى: {وإنا لنحن نحيي ونميت} إلى: {وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم} [سورة الحجر: 25]، فعاد سياق الكلام إلى حيث فارق مهيعه.
ولذلك تخلص إلى ذكر القرآن بقوله: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} [سورة الحجر: 87]. الناظر إلى قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [سورة الحجر: 9].
وجملة {إن ربك هو الخالق العليم} في موقع التعليل للأمر بالصّفح عنهم، أي لأن في الصّفح عنهم مصلحة لك ولهم يعلمها ربك، فمصلحة النبي صلى الله عليه وسلم في الصّفح هي كمال أخلاقه، ومصلحتهم في الصّفح رجاء إيمانهم، فالله الخلّاق لكم ولهم ولنفسك وأنفسهم، العليم بما يأتيه كل منكم، وهذا كقوله تعالى: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون} [سورة فاطر: 8].
ومناسبته لقوله تعالى: {وإن الساعة لأتية} ظاهرة.
وفي وصفه بـ {الخالق العليم} إيماء إلى بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله يخلق من أولئك من يعلم أنّهم يكونون أولياء للنبيء صلى الله عليه وسلم وهم الذين آمنوا بعد نزول هذه الآية والّذين ولدوا، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده».
وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب وكان في أيام الجاهلية من المؤذين للنبي صلى الله عليه وسلم:
دَعَاني داعٍ غيرُ نفسي وردّني ** إلى الله من أطردتُه كل مُطْرَد

يعني بالداعي النبي صلى الله عليه وسلم وتلك هي نكتة ذكر وصف {الخالق} دون غيره من الأسماء الحسنى.